الثلاثاء، 29 أبريل 2014

إلى ندى.

"إذ لا بد أن يولدوا حاملين حزنًا ما.. وأن يزدردهم الموت آخر الأمر"*

بادئ ذي بدء كنا عدم... ثم انبثقنا كثمار خوخ من شجرة ما.. نصفها ملعون والآخر فقط أقل لعنة. وكانت النواة التي تحمل شكلًا قريب من شكل القلب.. تحمل مصائرنا في غور خطوطها.
كانت الملائكة تقطفنا باكرًا ونحن لم نحمل السكر بعد، وتقذفنا للأرض في طقس يشبه كثيرًا التخلص من النفايات. في طقس يحمل الحسرة لتلك القلوب الصغيرة المنقوشة، واستيعاب مشرب في جذور الشجرة نفذ منها إلينا.

***
في صباح السقطة تلتقطنا بعض الأيدي وتكتشف فينا شيئًا يشبهها كثيرًا، تزرعنا لننمو.. تطعمنا بعضًا من قلوبها.. ويطرحنا الحب أرضًا مجددًا، ولكن هذه المرة مكتملين.
نهيم في المدن، نكتشف كل ما يمكن اكتشافه عن الأيدي التي تلتقط، والأذرع التي تحتضن، ومتعة للشفاه غير التحدث، ومدى أبعد من مدى البحر حين النظر لغور العيون.
ثم يحدث ما نُقش منذ البدء.
نكسر يا عزيزي. فجأة لا تعد نقوش القلب نقوش.. بل شروخ، وننظر للجانب المشرق، فنرى فائدة، نختلس من بين الشقوق الرؤية لداخلنا.. داخلنا الهش للغاية.

***
في الفجر أتذكر مخططاتنا سويًا عن الذهاب لشجرة الحياة، عن كيف أردت أن نصبح خالدين، نفني في الحب عمرًا، واثنين، وعشرون.
عن كيف خططت لتجاوز الشاروبيم بحكاياتي لهم عنّا.. كنت أراهم يلمسون قلوبهم.. ينقرون نقرتين برفق، ويرقّوا، ويتركوننا نعبر للخلود، ولكن قلبك أنت  لم يرق.

***
أراكَ في حلم ما.. أخبرك على لسان ميلتون أنه لي:
"أملًا في استعادة
حبك، وهو مصدر الرضا الوحيد لقلبي"*
فتعبس وتحول نظرك عني، فيتحول الحلم لكابوس أكون أنا فيه إبليس، وتكون أنت تلك الأبراج الملونة الحية في السماء، وتحوي السكينة ولا أصلها أبدًا.
وفي الفجر أيضًا استيقظ فزعة، أستدعي النديّة فتأتيني ومعها جوقة مزاحها، أخبرها عن كيف طحنت عظامي بالأمس في حلم.
تهدئ روعي وتعزف لي "الصراع"، ثم تخبرني أن أتحمم بالملح، تحكي لي عن كيف يرمم الشقوق، ويملأها ويملسها.
أخبرها عن أنه -الملح- واحدة منّا، وأحكيها حكاية يوريديس عندما انحالت لعمود ملح بعد رحيل أورفيوس. أيشفي الملح آثار الحب؟

***

نتفق كلنا على أن نمضي بقلوبنا المحشوة بالملح للجانب الآخر.. للرحلة، نضبط إيقاع قلوبنا على الدوريس ولا نميل عن نفس الانضباط أبدًا، حتى لا نجد إيقاعًا فنتمايل ونقع في الذكرى.
يخترن جانبًا آخرًا مشرقًا، وأختار أكثرهم إظلامًا حتى لا أرى.. لا أريد أن أرى.
في الجانب الآخر أتعثر كثيرًا، أقع وأجرح ركبتاي، وكفاي يصبحان خشنين، يتحولان لنواة خوخ منقوش عليها المصير.
أتحسس طريقي في العتمة وتلك الجروح المتربة على أطراف أصابعي، وأحاول أن أنزع ذاك الحب عني. أرتعب.

***
أرى سيلا تجلس فوق صخرة وضوء ينبع من صدرها من موضع القلب تمامًا، فيلقي نورًا على نصفها الأسفل، رؤوس كلاب تنبح. لا أرتعب.

أقترب منها وأدنو أكثر، فأرى وجهها وجهي.. تخبرني عن كيف حولتنا كيركي إلى هذا.. لأن جلاوكوس أحبنا. تسخر وتخبرني بأي الأحوال لم تحبنا للدرجة، فقد فزعت وهربت. تودعني بحسرة.

***
فتياتي وصلن للجانب الآخر المشرق بأرواح مضيئة. النديّة والفدا والتقى والنور، كنّ ينادينني بصوت غناء يرأف بالقلب ويجليه.
كيف يسودّ المرء هكذا يا عزيزي..
كيف نفنى؟ كيف ننسى؟ بيد أن هايديس هو من أجاب، أخبرني أن عنده في الجحيم تنسّي، قلت: وما الطريق؟ قال: الموت.
شيء ذكرني بجبنك، والحب الذي لم نستطع إفناءه، ليتك عجلت بالنهاية وتوقفت.
ولكن لا بد أن يكون الموت آخر الأمر.
يعيد هايديس عندما يرى شرودي:"الموت"، أخبره أني لا أقدر، قال: الخطيئة تقوي هذا القلب الهشّ.
شيء ما يحجب صوت غناء فتيات الحور، ربما سلمن.
يقال أن إبليس تزوج الخطيئة فأنجب الموت.
إييه.. يا عزيزي, حان الوقت.
حان الوقت لأنتهي.
أختار الخطيئة لتستعبدني، ثم أبلى كما ابتليت.
"حية أو ميتة.
فلن أخفي عنك أية أفكار.
تشرق في صدري المضطرب".*